حدیث روز
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ اَللهمَّ کُن لولیَّک الحُجةِ بنِ الحَسَنِ صَلَواتُکَ عَلَیهِ وَ عَلی ابائهِ فی هذهِ السّاعةِ، وَ فی کُلّ ساعَة وَلیّا وَ حافظاً وقائِداً وَ ناصِراً وَ دَلیلاً وَ عَیناً حَتّی تُسکِنَهُ اَرضَکَ طَوعاً وَ تُمَتّعَهُ فیها طَویلاً

جمعه, ۳۰ شهریور , ۱۴۰۳ Friday, 20 September , 2024 ساعت تعداد کل نوشته ها : 2534×

بسم الله الرّحمن الرّحیم

تعریف القضاء و دلیل مشروعیته.

الأستاذ: سماحة الشیخ السیفی
المازندرانی

المقرر: السید محمد الجلالی

لفظ القضاء:

أما لفظ القضاء فقد ذکر له معان عدیدة:

والبحث في المعنی اللغوی انما یثمر فیما اذا کان الشک فی
مقصود الشارع، وحينئذ نقول: بأن هذا المعنی کان ثابتا للفظ القضاء فی عهد الشارع
علی نحو الحقیقۀ الشرعیۀ.

فيمكن ترتيب الاحكام الشرعية عليه.

واما من حيث الاصطلاح، فاختلفوا فی معناه الاصطلاحي ، وعمدۀ
تعابیر الفقهاء یرجع الی معنینین:

أولهما: الولایۀ علی الحکم، والآخر: هو الحکم بین الناس لرفع
التخاصم أو التنازع.

والفرق بین التعریفیین هو أن الاول یعرف القضاء كمنصب شرعي،
والثانی یعرف القضاء كعملیۀ اجتماعية یعنی انشاء الالزام أو الترخیص.

ویظهر مما ذکرنا انه یمكن ان يترتب علی القضاء آثارا فقهیة.

المعاني اللغوية والاصطلاحية للقضاء:

ورد للفظ القضاء فی اللغة معان مختلفة:

منها: الحکم[1] والأمر[2] والإنهاء[3] والحتم[4] والفعل والخلق[5] الی غير ذلك ، وهي عشرة معانی
ذکرها الشيخ الجواهري فی الجواهر[6] وكذا غیره من الفقهاء.

الا ان الشیخ الأعظم أرجع[7] جمیع المعانی اللغویة الی معنی
واحد[8]، وهو الاتمام والفراغ، أو فصل الامر
قولا أو فعلا، ولکن هذا مما لا يمكن الركون اليه، لان القواعد تقتضي أن نأخذ المعنی
المتبادر من اللفظ، وهو الحکم فحسب. فالمعنی الذی یتبادر الی الذهن من دون قرینة انما
هو الحکم، فيكون هو المعنی الحقیقی لكلمة القضاء، فتكون سائر المعانی مجازیة الا ان
تكون هناک قرینة وبمعونتها نصير الى سائر المعانی وسیأتی تفصیل ذلک.

وأما الحکم بمعنی الانشاء الالزام او الترخیص قولا او فعلا.
فلابد أنه یکون بقصد الانشاء لا الاخبار.

هذا کله من الناحية اللغوية.

وأما فی الاصطلاح ذکر للفظ القضاء معان کثیرة وعمدة تلك المعانی
ترجع الی معنیین:

المعنی الاول: الولایة علی الحکم، وهو من مقولة المنصب.

ولكن هذا خلاف ما هو المتبادر الی الذهن من لفظ القضاء عند
الاطلاق، اللهم الا ان تكون هناک قرینة علی ذلک.

والمعنی الثانی: هو نفس الحکم بین الناس. وهذا من مقولة
الفعل، وهو المتبادر[9]
الی الذهن عند الاطلاق.

هذا، وقد قید بعض الفقهاء الحکم ببین الناس بكونه لفصل
الخصومة والتنازع فی الأمور الجزئیة الخارجیة.

ولکن لا حاجة الی التقیيد: بـ(الجزئیة الخارجیة)، لان
التنازع والتخاصم لا یکون الا فی الأمور الجزئیة الخارجیة.

كما لا حاجة أيضا الی قید (بین الناس)، لان التنازع دائما یکون
بین الناس، فلاحاجة الی هذين القیدين.

وأیضا لا حاجة الی لفظ (الانشاء)، لان من الواضح أن فصل
الخصومة لایکون الا بالحکم الانشائی لا الخبري.

المناقشة فيما قاله الشيخ الأعظم:

ان المعنی الذی قاله الشیخ الاعظم وهو الاتمام والفراغ يمكن
المناقشة فيه بما يلي:

علی فرض التسلیم بما قاله الشیخ، فان ذلك لا یثبت به الاشتراک
المعنوی، بل لابد أن يتحقق فيه ملاکا آخر وهو أن ینسبق هذا المعنی المشترک الی
الذهن عند اطلاقه من دون قرینة، واذا اختل هذا الملاک لا یعتبر كونه مشترکا معنویا،
بل يكون مجازا.

والتحقیق: أن المعنی اللغوی: هو الحکم، والحکم لیس الا انشاء الترخیص او الالزام.

اما المعنی الاصطلاحی:

فاما ان یکون التعریف بالمنصب، واما ان یکون بنفس الحکم.

والحکم اما ان یکون بعنوان الحکم الفتوائي (أی الاسم المصدری)
.

واما ان یکون بعنوان الحکم الانشائي (لفظ الانشاء) .

والأصح هو الثانی.

ثم الکلام فی أن منصب القضاء لا یمكن عده منصبا عرفیا عقلائيا،
بل هو منصب الهی وشرعی. وبذلک یفترق ماهیة القضاء فی شریعة الاسلام عما هو رائج
بین العقلاء، لان الأصل العقلی المحکّم فی المقام هو: عدم ولایة بشر علی بشر. وهذا
الاصل العقلی یقول: انه لا منشأ عقلی ولا عقلائی فی القضاء، فلابد ان نقول: ان
الولایة لا تکون الا من جانب الله علی البشر فحسب.

تأسیس الأصل العقلي:

وبیان تأسیس هذا الاصل العقلی هو: ان ولایة البشر علی بشر
لابد ان يكون بملاک عقلائي، وهو وجوب شکر المنعم، والمنعم لیس الا الله تعالی،
فالعقل یری الملاک فی ولایة بشر علی بشر انما امتداد من ولایة الله علی البشر.

وأیضا هناک ملاک آخر، وهو حکم العقل بوجوب دفع الضرر الخالد
العظیم وهو العقاب الاخروی، ولا یری العقل الولایة علی هذا العقاب الا لله تعالی.

وملاک ثالث: هو انحصار التصرف في الحياة انما هو من جانب
الخالق، یعنی حکم العقل بانحصار ثبوت الولایة علی التصرف فی المخلوق فی الله تعالی
لانه المالک الحقیقی، فیری العقل للمالک الحقیقی أن یتصرف فی مملوکه کیف شاء وهذا فقط
منحصر بالله تعالی لانه الخالق.

من أجل ذلک یحکم العقل بانحصار الولایة فیمن له هذه
الملاکات الثلاث وهي منحصرة فی الله تبارک وتعالی.

وعلیه فبأی ملاک من الملاکات المتقدمة انما یری العقل
الولایة في القضاء منحصر فی الله تعالی فحسب، ولذا یحکم بوجوب طاعة القاضي وعدم
ولایة بشر علی بشر من غير جهة النصب الالهي، حیث لا یری الملاک متحققا فی جنس
البشر، والقضاء انما هو یستدعی الولایة علی البشر، فالولایة لایراها العقل الا الله
تعالی، وبهذا يثبت أن القضاء منصب الهی.

نعم یثبت هذا المنصب للبشر بنصب من الله کما في ولاية الرسول
والامام ونوابهم، وهذا انما يكون بأمر من بیده الولایة وهو الله تعالی واعطاء
الولایة في قول الله تعالی:«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ
وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُم
»[10]

من أجل ذلک، لا مناص لنا من أن نلتزم بأن القضاء منصب الهی.

ان قيل: أن القضاء موجود فی سائر الادیان والملل، فکیف یمکن
عده منصبا شرعیا الهیا مع ان الكثير من الناس لا يعتقدون بالدين ولا بالله؟!

فانه يقال: ان الولایة الموجودة في المجتمعات وبين أفراد
البشر غیر مشروعة، فان الحکومة المشروعة هی حکومة الاسلام ولا شرعیة لسائر
الحکومات فی نظر الاسلام.

القضاء أمر توقيفي:

إن منصب القضاء أمر توقیفی، لأن القضاء المشروع فی الاسلام
لیس مطابقا لحکم العقل الاولی، وان أمکن دعوی السیرة علی وجود القضاء فی الجملة،
لکن القضاء الواقع بین العقلاء مما لم يستند الى نص الهي، لم یمضه الشارع بل خطّأهم
في ذلک.

فالاصل العقلی فی المقام عدم مشروعیة القضاء من جانب
الانسان، لان القضاء فی الحقیقة اعمال الولایة علی سائر أفراد البشر بالتصرف فی دمائهم
و فروجهم، وهذه الولایة یراها العقل منحصرة فی الله تعالی فقط.

وبهذا الملاک العقلی یحکم العقل بثبوت الولایة لکل من له
أذن من الله تعالی، أو فوض هذه الولایة اليه، لان المستحق للطاعة والذی له الولایة
بالاصالة له ان یعطی هذه الولایة الی کل من یرید. فالذی أعطاه الله سبحانه هذه
الولایة يصير واجب التعظیم والطاعة بسبب هذه الافاضة. وهذا لاینافي الأصل العقلی،
بل يحقق ويعين مصداقه.

والحاصل: انه لا تخالف بین حکم العقل والنصوص، بل النصوص تقوم
بوسيع حکم العقل من ولایة الله الی ولایة الرسول والائمة علیهم السلام.

وبعبارة أخری: أن القضاء أمر توقیفی شرعی، ومقتضی الاصل فی
الحکم التوقیفی عدم ثبوته بالعقل المجرد، لانه بحاجة الی جعل خاص من جانب الشارع،
و مادام لم یقم دلیل من أمارة أو دلیل شرعی علی هذا الجعل فهو غیر صحيح، وهذا یرجع
الی استصحاب العدم الازلی (منذ الأزل لم یکن الولاية مشروعا وثابتا،  فالآن کذلک) أو البراءة.

ويمكن المناقشة فی هذا: بان الاصل انما هو دلیل حیث لا دلیل،
ولكن فيما نحن فيه يوجد دلیل اجتهادی وهو حکم العقل، والدلیل مقدم علی الأصل
العملی.

بيان آخر:

وقد یدّعی بأن مقتضی الاصل العقلی ثبوت الولایة ومشروعیة
القضاء (على عکس ما تقدم آنفا) بانه لا یسمح العقل باختلال النظام الاجتماعي في
الحياة، ومع عدم القضاء قد یحدث اختلال النظام بل سيتحقق ذلك.

وأیضا فهنا تقریب آخر لاثبات مشروعیة القضاء: وهو السیرة
العقلائیة، بان القضاء كان أمرا رائجا بین العقلاء قبل الاسلام، ولم يزل كذلك حتی
الآن، ولم یثبت من الشارع ردع عنه، فیکون القضاء أمرا عقلائیا ولا یکون أمرا توقیفیا
والهیّا، کما ذهب اليه السید الماتن.

وفیه: ان هذه السیرة علی فرض جریانها فانها غیر حجة، لان
الشارع لم یثبتها، بل ردع عنها بقوله تعالی: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ
أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ
أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ
»[11]

فان کل من لم یکن له الولایة من جانب الله وتصدی لمنصب
القضاء والحکومة فانه طاغوت وقضاؤه غیر مشروع.

المتحصل مما تقدم:

والمحصل مما ذکرناه عدم مشروعیة القضاء الا اذا ثبت بدلیل
شرعی جوازه ومشروعیته.

الاستدلال بلزوم حفظ النظام الاجتماعي:

وقد یستدل لتأسیس أصل مشروعیة القضاء لکل أحد بلزوم حفظ النظام
المعاشي للناس، بتقریب: أن حفظ النظام واجب بحکم العقل، فما یتوقف علیه حفظ النظام
يكون واجبا أيضا، فالقضاء واجب لضرورة حفظ النظام.

وهذا التقریب یثبت وجوب تصدی القضاء لکل من یحفظ بقضائه
نظام المعاش ويحصل بدونه اختلال النظام.

وفیه: أولا: منع توقف حفظ النظام علی القضاء، وذلک بامکان
رفع المنازعات وفصل المخاصمات فی غالب مواردها بالرجوع الی الأکابر والعلماء، کما هو
المشاهد في كثير من المجتمعات الانسانية الآن، فان حل کثیر من المخاصمات تكون فی
هیئات وجماعة من الناس المعتمدين ممن يسمون في بلادنا بـ(شورى حل الاختلاف) وهذا أمر
ممکن بل متحقق في العالم اليوم.

وثانیا: ان النزاع ليس فی ضرورة أصل القضاء، بل الکلام فیمن
یصلح للقضاء، وأن أصل القضاء لا یثبت صلاحیة كل من يتصدى للقضاء.

وبعبارة أخرى: ان توقف حفظ النظام علی أصل القضاء لا یثبت
مشروعیة القضاء لکل أحد مطلقا (من دون تقید بأی شرط).

وأیضا: یمكن ان يستدل فی المقام بالسیرة العقلائیة، بدعوی
أن سیرة العقلاء لایزال جاريا بین العقلاء منذ تكون المجتمع وقبل نزول شریعة
الاسلام وحینها وبعدها حتی الآن في جميع الملل والنحل وان كانوا غیر معتقدین بدین
ولا شریعة، بل بما أنهم عقلاء، فقد جرت السیرة فيهم بلزوم القضاء بین الناس لحل
الخصومات واجراء العدل، کما ورد عن الامام الرضا علیه السلام:« انا لا نجد فرقة
من الفرق ولا ملة من الملل بقوا وعاشوا الا بقیّم ورئیس لما لابد لهم منه فی أمر
الدین والدنیا
»[12]

وهذا أمر عقلائی، ولم یرد من الشارع ردع عنه، بل انه أمضی
هذه السیرة، فبمقتضاها یثبت أصل مشروعیة القضاء.

ولكن يمكن المناقشة فیه: أولا: بان جریان السیرة العقلائیة
علی وجود القضاء انما یرجع الی ولایة الشخص علی نفسه، لأن فی سائر الملل یکون
اختیار القاضی برأی الشعب، کقاضی التحکیم. وهذا أجنبی عن المقام.

فان الکلام انما هو فی تحقق ولایة القضاء بصورة مستقلة[13] بأن یکون له الولایة الذاتية من
دون حاجة الى أن یختاره الناس.

وثانیا: أن هذه السیرة _علی فرض جریانها
فيما نحن فيه
_ فانه أمر قد خطّئه الشارع وردع عنه، كما ورد من النصوص في عدم مشروعیة
القضاء من جانب کل أحد ما لم یکن له ولایة من الله، بل وصفه الله بالطاغوت فی
کتابه کما في قوله تعالى: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ
بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ
إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ
»[14]

یعنی: ان التحاکم الی من لم ينصب من قبل الله (الطاغوت)
ممنوع فی الشریعة والطاغوت: هو کل من لم یکن له ولایة من جانب الله، وتصدی للحکم
بین الناس.

فهذه السیرة علی فرض جریانها ممنوعة شرعا، نعم فی قاضی التحکیم
وردت نصوص في جواز التصدي لها بصورة عامة، ودلت علی مشروعیته أدلة خاصة، ولکن اشترط
فيه شروطا تأسیسیة وتوقیفیة لیست متداولة غالبا بین جميع العقلاء، ونفس اعتبار هذه
الشروط[15] معناه تخطئة السیرة
العقلائیة. وتحدیدها.

ولا يمكن الاستدلال بقول أمیرالمؤمنین علیه السلام: «لابد للناس
من أمیر برّ أو فاجر»[16]
، وذلك لان الامام قال ذلك فی مقام بیان ضرورة أصل الحکومة، لا في مقام بيان شرائط
الحاکم وکیفیة الحکم، لان حکومة الفاجر فی الاسلام غیر مشروعة بتاتا.

وکذا الكلام فيما ورد عن الامام الرضا علیه السلام المذكور آنفا.

فکلا الدلیلین، أی: الدلیل العقلی والتمسك بالسیرة
العقلائية في المقام غیرتام، فالمرجع الأصل العقلی الناص علی عدم مشروعیة القضاء
بدون اذن من له الولاية وهو الله.

بيان دليل آخر على مشروعية القضاء:

ثم ههنا دلیلا عقلیا آخر لاثبات أصل مشروعیة القضاء، وهو أن
حفظ النظام یتوقف علی اجراء الحدود، في الجنایات والمخاصمات والمنازعات والتعدیات،
والظلم لایزال موجودا في المجتمعات البشرية، ولایمکن حل هذه الثغور وقلع المفاسد وسدّ
ابوابها الا بانفاذ حکم الحاکم أوالقاضی واجراء الحدود على یده.

والمناقشة في ذلك: أن جمیع الحدود لیست من هذا القبیل، وصحيح
ان بعض الحدود کالتعدیات والجنایات لو عطلت لاختل النظام، ولكن الحدود الالهیة ليست
كذلك مثل الحدود الجارية في الفحشاء والمنکرات کالزنا واللواط فانها لیست کذلک.
کما هو المشاهد فی الدول الکافرة، فانه بالرغم من أن الحدود عندهم لا تجری ولا
تنفذ، فانا نشاهد بالوجدان أنه لا يحصل عندهم اختلال فی نظام معاشهم.

ملاک وجوب الطاعة عندالعقل:

تقدم أن مقتضی الاصل عدم مشروعیة القضاء لأحد، وانما خرجنا
عن هذا الاصل بأدلة من الکتاب والسنة والحجج الشرعیة الدالة علی ثبوت منصب القضاء
للنبی والائمة علیهم السلام، وللفقیه الجامع للشرائط، ویستفاد أیضا من کلام الشیخ
الأعظم حیث أنه أدخل لزوم منصب القضاء للنبی والامام من باب قاعدة وجوب شکر المنعم
بدعوی أنهم أولیاء النعم فیشملهم حکم العقل بوجوب شکر المنعم، وعلیه فمقتضی
القاعدة الأصلیة هو مشروعیه القضاء والحکم لهم، کحکمه بمشروعیة وولایة الله علی
الحکم، لأنهم أیضا أولیاء النعم، فیجب شکرهم، وحيث ان شکرهم انما يكون بطاعتهم
فیجب طاعتهم.

ويمكن المناقشة فیه: بأن ملاک وجوب الطاعة عند العقل انما
هو وجوب شکر المنعم بالنعم الأصلیة، أی: النعم التی لا تعد سائر النعم نعمة بدونها
کالوجود والحیاة والعقل والحواس الخمس، ولا نعتقد أن النبی والائمة هم المنعمون للنعم
الاصلیة لا حدوثا ولابقاءا، فان الحیاة مثلا کما أن الله علة محدثة لها فأیضا هو
علة مبقیة لها، وکذلک سائر النعم، كما لا نعتقد أن النبی والائمة هم العلة المبقیة
للعالم وما فیها من المخلوقات.

ولکن أشکل محقق الخراسانی علی الشیخ بأن غایة حکم العقل بوجوب
شکر المنعم وجوب طاعته لا ثبوت ولایته علی الانفس، لان الولایة علی الانفس لیست من
مصادیق النعمة.

وفیه: أن وجوب الطاعة یساوق الولایة مطلقا، ولا معنی لوجوب
الطاعة لأحد الا بعد ثبوت ولایته علی الحکم. مضافا الی أن الطاعة لو توقفت علی بذل
النفس فان العقل أیضا يحكم بوجوبه بنفس الملاک. ولا فرق حينئذ بین موارد الطاعة.

الادلة النقلیة لولایة النبی والائمة:

الادلة النقلیة لولایة النبی والائمة عديدة.

فمن الکتاب قوله تعالی: «النَّبِیُّ أَوْلَى بِالمُؤْمِنِینَ
مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ[17]»
.

وقوله: «فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ
فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ
»[18].

وقوله:«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ
وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ
»[19].

وقوله:«يَا دَاودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ
فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ»[20]

.

وقوله:«إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ
لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ[21]»
.الى
غير ذلك من آي الذكر الحكيم …

وأما من السنة، فهي عديدة أيضا:

الطائفة الاولی: ما دلت علی حصر منصب القضاء فی من کان فی
شأن النبی والامام.

منها: صحیحة سلیمان بن خالد عن أبی عبدالله علیه السلام قال: «اتقوا الحكومة
فإن الحكومة إنما هي للامام العالم بالقضاء العادل في المسلمين کنبي أو وصى نبي»[22]

وهی تدل على جعل منصب القضاء واختصاصه لمن یکون للنبی أو وصی النبي.

ومنها: خبر اسحاق بن عمار عن أبی عبدالله علیه السلام قال: قال أمیرالمؤمنین علیه السلام لشریح: ٍ«يَا شُرَيْحُ
قَدْ جَلَسْتَ مَجْلِساً لَا يَجْلِسُهُ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ وَصِيُّ نَبِيٍّ أَوْ
شَقِيٌّ.[23]»
وجه دلالته علی الحصر واضح.

الفرق بين ولایة النبی وولاية الائمة:

والفرق بینهما ان ثبوت الولایة للنبی علی الحکم والقضاء من
ضروریات الدین، في حين ان ثبوت الولایة للامام علی الحکم والقضاء من ضروریات
المذهب.

وجميع هذه الادلة هي على خلاف مقتضی الأصل فی الظاهر-لان
الاصل العقلی انما یدل علی عدم ثبوت الولایة لاحد الا الله تعالی-، ولکن القول بثبوت
الولاية للنبي والائمة فی الحقیقة من باب التوسع في حکم العقل وادخال طاعة النبی
والامام فی طاعة الله. وحينئذ ففلا تخالف بین حکم العقل والنصوص.

النصوص الواردة فی ثبوت منصب القضاء والحکومة
للفقیه:

الطائفة الثانیة: ما دلت علی ثبوت منصب القضاء لخصوص
الفقیه، فهي عديدة أيضا:

منها: صحیحة سلیمان بن خالد عن أبی عبدالله علیه السلام قال: «اتقوا الحكومة
فإن الحكومة إنما هي للامام العالم بالقضاء العادل في المسلمين کنبي أو وصى نبي»[24]
وهی تدل على جعل منصب القضاء واختصاصه لمن یکون للنبی أو وصی النبي. كما تقدم.

ولو كان الوارد هو لفظالنبیلأمکن
الاشکال في الاستناد بهذه الروایة على ما نحن بصدده، الا ان الوارد هو لفظ
کنبی”
من باب التمثيل، وعليه فیتم المطلوب.

والرواية الواردة عن طریق الشیخ والکلینی والتي تضمنت لفظ النبی ضعیفة [ لان فی طریقهما سهل بن زیاد
و زکریا بن محمد[25]
وکلاهما ضعیفان موجبان لضعف السند] ولکن هذه الرواية واردة عن طریق الصدوق وفيها لفظ
کنبی” والطريق
فيه صحیح[لان الصدوق له طریق صحیح الی سلیمان قد ذکره فی المشیخة]، ومن أجل ذلک فلا
اشکال فی هذه الصحیحة سندا ودلالة، فتدل علی امكان ولاية من هو مثل النبي والوصي
ويتم المطلوب.

ومن الواضح أن الذی هو فی شأن النبی أو الوصی فی الروایة
لیس الا الفقیه الجامع.

 

 

 

«اشتراط البلوغ فی المدعی»

من المسائل التي قد تقع موردا للبحث في القضاء
والفقه هو :”اشتراط البلوغ فی المدعی”

البيان الإجمالي للمسألة

یشترط فی المدعی البلوغ. فلا تسمع [الدعوى] من
الطفل و لو کان مراهقا.

و لو رفع الطفل الممیز ظلامته الی القاضي، فان
کان له وليا أحضره [القاضي] لطرح الدعوی.

ما استدل به للحكم:

استدل لاثبات هذا الشرط بثلاثة وجوه، هي: الاجماع والنصوص
والاصل.

الاستدلال بالاجماع:

فالاجماع لم نقف علیه فی کلمات أحد من القدماء. -ای لا تصرح
بمصب الإجماع فی کلماتهم، فلا یکون قابلا للاطلاق والتقیید، ولکن انهم اتفقوا علی
أصل اشتراط البلوغ- فلا یمکن التعویل علی هذا الاجماع، لان ملاک حجیة الاجماع –
وهو الکشف عن قول المعصوم- لابد وان يكون متحققا باتفاق القدماء.

ولکن نقل الاجماع مثل ما نقل صاحب الجواهر کاف لظهوره فی
اجماع القدماء، حیث استقر دأبه علی ذکر المخالف للاجماع من بین القدماء.

مضافا الی ان هذا الاجماع مدرکی، لاستناد المتأخرین فيه علی
النصوص الدالة علی حجر الصبی.

وأما سماع الدعوی من الصبي، فهو فی حد ذاته لا ینافی أدلة
الحجر الا فی موارد، لامکان تسلیم المال الثابت بدعواه الی ولیه.

واما لو کان مآله الی تسلیم المال الی ولیه او باحضار
المدعی ونحو ذلک – کما قاله صاحب العروة – فلا بأس به.

الاستدلال بالنصوص:

وأما النصوص: فهی لا تقتضی أکثر من سلب عبارته، بأن یؤخذ
بقوله فی الشهادة او فی الحلف بالاقرار ونحو ذلک.

الاستدلال بالاصل:

والثالث: الاصل، وهو هنا عبارة عن أصالة عدم وجوب سماع
الدعوی ممن لم یستجمع الشرائط، او ممن يشک فی استجماعه للشرائط.

فان الحکم بوجوب السماع یحتاج الی دلیل. کما صرح به فی
الریاض والجواهر.

وخیرتقریب لهذا الاصل: ان الاحکام القضائیة من وجوب سماع
دعوی المدعی، والاخذ بالحلف والاقرار والشهادة ونحو ذلک، کلها أحکام توقیفیة، وکل
حکم توقیفی فهو بحاجة الی قیام الحجة الشرعیة علیه من جانب الشارع، فما لم تثبت
حجیته الشرعیة فالحکم التوقیفی لا یثبت. هذا هو الاصل.

مقتضى مطلقات الكتاب والسنة:

و لکن مطلقات الکتاب والسنة تقتضی وجوب سماع الدعوی، خصوصا
فیما اذا کانت الدعوی تشتمل علی تظلم عند القاضی، أي دعوی وقوع ظلم علیه، فعمومات
وجوب القیام بالقسط ووجوب اغاثة المؤمنین، تدل علی وجوب سماع الدعوی وقیام القاضی
بالقسط واغاثة المؤمن الذی التجأ الیه فیما وقع علیه من الظلم.

فهذه العمومات تدل علی وجوب سماع الدعوی فیما اذا لم یستلزم
قبض مال او اقباضه للصبی ، لمنافاة ذلک لادلة الحجر علی الصبی.

خير ما قيل في المقام:

وأحسن ما یمکن ان یقال فی المقام: ما ذکره صاحب العروة، حیث
صرح بأنه لا دلیل علی عدم جواز سماع دعوی الصبی فی غیر موارد الحجر.

رأی شيخنا الاستاذ دام ظله:

قال شیخنا الاستاذ: بل یجب سماع الدعوی فیما اذا استغاث
الصبی الی القاضی لرفع ظلم وقع علیه. وذلک للعمومات والاطلاقات الدالة علی وجوب
اغاثة المؤمنین عند الاستغاثة وقضاء حوائجهم ورفع الظلم عنهم. وسیأتی بیان ذلک.

بيان المسألة تفصیلا

لا خلاف فی اشتراط بلوغ المدعی وکمال عقله فی سماع الدعوی.
فلا تسمع دعوی الصغیر والصغیرة ولا المجنون والمجنونة حال جنونهما ولو کانا
ادواریین، کما صرح به فی الریاض، حیث قال:

 ويشترط فيه – أي في المدّعى –
التكليف بالبلوغ وكمال العقل وأن يدّعي لنفسه أو لمن له ولاية الدعوى عنه، بأن
يكون وكيلًا، أو وصيّاً، أو وليّاً، أو حاكماً، أو أمینه. فلو ادّعى الصغير أو
المجنون أو من لا ولاية له عليه، لم تسمع دعواه، بلا خلاف في شي‌ء من ذلك أجده،
وبه‌ صرح بعض الأجلّة، وهو الحجة
.[26]

ومراده
من بعض الاجلة هو المحقق الاردبیلی، حیث قال:
ثم إن
الظاهر أنه لا خلاف في اشتراط البلوغ في المدّعي، بل رشده أيضا، ليصحّ إنكاره وإقراره
والفصل معه، ولعل دليله الإجماع المقرّر عندهم، كما في سائر الأمور، إلّا الوصية
ونحوها ممّا تقدّم، فتذكّر
.[27]

وفی
الجواهر: ادعی الاجماع، حیث قال:”فلا خلاف في أنه يشترط فيه أي المدعي البلوغ
والعقل، وأن يدعي لنفسه أو لمن له ولاية الدعوى عنه، وما يصح منه تملكه، فهذه قيود
أربعة، فلا تسمع دعوى الصغير ولا المجنون، بلا خلاف أجده فيه، كما اعترف به بعضهم،
بل هو إجماع، مضافا إلى انسياق غيرهما من الأدلة
.[28]

وحکی
فی المستند عن المعتمد: الاجماع علیه صریحا.[29]

لکن
لا یمکن التعویل علی هذا الاجماع لکونه مدرکیا، نظرا لاعتمادهم علی النصوص
المتظافرة فی هذا الباب. حیث دلت النصوص علی ان الصبی مسلوب العبارة وعمد الصبی
وخطاه واحد. والیک نماذج منها:

ما ورد عن مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ
بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْعَبْدِيِّ عَنْ
حَمْزَةَ بْنِ حُمْرَانَ عَنْ حُمْرَانَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ علیه
السلام قُلْتُ لَهُ: مَتَى يَجِبُ عَلَى الْغُلَامِ أَنْ يُؤْخَذَ بِالْحُدُودِ
التَّامَّةِ وَ تُقَامَ عَلَيْهِ وَ يُؤْخَذَ بِهَا؟ فَقَالَ: إِذَا خَرَجَ عَنْهُ
الْيُتْمُ وَ أَدْرَكَ. قُلْتُ: فَلِذَلِكَ حَدٌّ يُعْرَفُ بِهِ؟

فَقَالَ: إِذَا احْتَلَمَ أَوْ بَلَغَ خَمْسَ
عَشْرَةَ سَنَةً أَوْ أَشْعَرَ (أی: فی وجهه)أَوْ أَنْبَتَ (أی: فی عانته) قَبْلَ
ذَلِكَ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْحُدُودُ التَّامَّةُ وَ أُخِذَ بِهَا ( فی فرض
اتهامه) وَ أُخِذَتْ لَهُ( فی فرض كونه مدعیا).

قُلْتُ: فَالْجَارِيَةُ مَتَى يَجِبُ عَلَيْهَا
الْحُدُودُ التَّامَّةُ وَ تؤخذ بِهَا وَ تؤخذ لَهَا؟

قَالَ: إِنَّ الْجَارِيَةَ لَيْسَتْ مِثْلَ
الْغُلَامِ، إِنَّ الْجَارِيَةَ إِذَا تَزَوَّجَتْ وَ دُخِلَ بِهَا وَ لَهَا
تِسْعُ سِنِينَ ذَهَبَ عَنْهَا الْيُتْمُ وَ دُفِعَ إِلَيْهَا مَالُهَا وَ جَازَ
أَمْرُهَا فِي الشِّرَاءِ وَ الْبَيْعِ وَ أُقِيمَتْ عَلَيْهَا الْحُدُودُ
التَّامَّةُ ُ وَ أُخِذَ لهَا وَ أُخِذَتْ بها»[30].

البحث فی الروایة:

أولا- من حيث السند:

لا اشکال فی سند هذه الروایة من حیث الرواة، لکونهم من
الأجلاء ولا خلاف فی وثاقتهم. فهذه الروایة صحیحة.

ثانيا-  من حیث
الدلالة:

فتدل علی قاعدة جامعة لبیان حد البلوغ. وهذه من الملاکات
العامة التي تجری فی جمیع أبواب الفقه.

ومنها:
ما ورد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: عَمْدُ
الصَّبِيِّ وَ خَطَؤُهُ وَاحِدٌ.[31]

البحث فی الروایة:

أولا- من حيث السند:

لا
اشکال فی أنها صحیحة، حیث ان جمیع الرواة فیها من الثقات الاجلاء.

ثانيا-  من حیث
الدلالة:

کما
لا اشکال فی دلالتها علی عدم اعتبار قول الصبی ولا فعله. سواء کان عامدا أو خاطئا.

ومنها: ما ورد عن مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ
بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَال:‏ «عن ابی جعفر(عليه السلام) قال: کان
امیرالمومنین(ع) یجعل جنایة المعتوه علی عاقلته خطئا کان او عمدا»[32]

والمراد من المعتوه، هو ناقص العقل[33] وفی حکمه المجنون.

البحث فی الروایة:

من حيث السند والدلالة:

هذه الروایة کذلک لا اشکال فی سندها، حیث أنها صحیحة، لان
الرواة کلهم من الاجلاء ودلالتها علی المراد واضحة، حیث دلت علی اشتراک المجنون
والصبی في الحکم.

وبلحاظ هذه النصوص المتظافرة فی مختلف أبواب الفقه یمکن
ادعاء کون الاجماع مدرکیا. فلا یعد دلیلا مستقلا، بل یکون مؤیدا للنصوص المنجبرة
بعمل الاصحاب.

عمل الاصحاب في المسألة:

قال فی التحریر: من شروط المدعی البلوغ، فلا یسمع
من الطفل ولو کان مراهقا.

والمراهق ما خرج عن الطفولیة ولم یبلغ الحلم. لکن الوارد فی
النصوص هو البلوغ، فلفظة
المراهق وان کانت غیر واردة فی النصوص والفتاوی، لکن بعد فرض ان
معقد الاجماع ومدلول النصوص هو البلوغ فقد یشمل المراهق. فلا اشکال حینئذ.[34]

نعم لو رفع الطفل الممیز ظلامته الی القاضی، فان
کان له ولی أحضره لطرح الدعوی، والا فأحضر المدعی علیه ولایة، أو نصب قیما له، أو
وکل وکیلا فی الدعوی، أو تکفل بنفسه وأحلف المنکر لو لم یکن بینة.

ولو رد الحلف فلا أثر لحلف الصغیر، ولو علم
الوکیل أو الولی صحة دعواه جاز لهما الحلف.

بيان ذلك:

لو رفع الطفل ظلامته الی القاضی، فانه یجب علی القاضی احضار
ولیه لاقامة البینة، وذلک لان الشارع جعل له الولایة علی الصبی، لحفظ أمواله
بإقامة البینة.

والوجه فی وجوب هذا علی القاضی: العمومات الدالة علی وجوب
دفع الظلم واحقاق حق المظلوم والحکم بالعدل والانصاف، کقوله تعالی:
«وَأَنِ احْكُمْ
بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ
»[35]والنبوی الشریف: «مَنْ أَصْبَحَ لَا يَهْتَمُّ بِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ
فَلَيْسَ مِنْهُمْ، وَ مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يُنَادِي:”يَا
لَلْمُسْلِمِينَ”، فَلَمْ يُجِبْهُ، فَلَيْسَ بِمُسْلِم»‏.[36]
الی غير ذلک من العمومات.[37]

وان لم یکن للصبی ولی، فانه یجب اقامة البینة علی القاضی
نفسه، من باب انه {مدعی العموم}. ولا فرق فی ذلک بین الصبی وغیره. لاطلاق الادلة.

و لکن لما لم تقبل شهادة الصبی ولا حلفه، لانه لا اعتبار
بقوله. وجب علی القاضی احضار المدعی علیه واحلافه. فان نکل یجب علیه ان یحکم
للصبی.

ان قلت: کیف نقول بعدم اعتبار قول الصبی وقد أخذ القاضی
بقوله؟

قلت: ان المقام لیس کذلک، لان وجوب احضار المدعی علیه علی
القاضی لیس من باب الاخذ بقول الصبی. بل ان ذلك من باب العمومات الواردة في وجوب
دفع الظلم وإقامة العدل والقسط. ولذلک یجب البینة علی الولی لا الصبی. فاذن مخاطب
الحاکم يكون هو الولی لا الصبی. ونفس الاتهام یکفی لاحضار القاضی المدعی علیه.

قال
صاحب العروة فی ذیل المسألة الثالثة ما نصه:

يشترط في سماع دعوى المدعى أمور،
أحدها: الكمال بالبلوغ والعقل، فلا تسمع من المجنون وغير البالغ وإن كان مميزا
مراهقا بلا خلاف، بل ادعى بعضهم الإجماع عليه لأصالة عدم ترتب آثار الدعوى من وجوب
السماع وقبول البينة والإقرار وسقوطها بالحلف ونحو ذلك، ولأنّ المتبادر من الأدلة هو
البالغ العاقل، ولما دل من الأخبار على انّه لا يجوز أمر الصبي حتى يبلغ[38].

«قيل» ولكونهما مسلوبي العبارة.

هذا ولكن القدر المتيقن من الإجماع وغيره عدم سماع دعوى
الصبي فيما يوجب تصرفا في مال أو غيره مما هو ممنوع منه، وإلّا فمقتضى عمومات وجوب
الحكم بالعدل والقسط ونحوها سماعها في غير التصرفات الممنوعة، كما إذا ادعى على
شخص أنّه جنى عليه أو سلبه ثوبه أو أخذ منه ما في يده، بل لو ادعى أنّه غصب دابته
أو نحو ذلك وأتى بشهود على مدعاه، فلا دليل على عدم سماع دعواه، خصوصا إذا كان
الخصم ممن يخاف منه الفرار أو كان من المسافرين، لكن لا يجوز له التحليف ولا الحلف
ولا يسمع‌ إقراره، ولا يدفع إليه ما ثبت كونه ماله. نعم، إذا لم يكن له وليّ
فللحاكم مع عدم البينة إحلاف المنكر مع المصلحة ولا يلزم في سماع الدعوى ترتيب
جميع آثارها من الإحلاف والحلف ونحوهما
[39].”[40]

وللشیخ التبریزی بیان متین، ما نصه:” لا ينبغي التأمّل
في اعتبار البلوغ والعقل في سماع الدعوى لو كان المراد من سماعها القضاء في
الواقعة وفصل الخصومة والمرافعة فيها، فإنّ المتصدي لواقعتهما مرافعة وليّهما، نعم
فيما إذا لم يمكن لولي الصبي المرافعة، كما إذا ادعى الصبي أنّ الغير جنى عليه
بالجراحة أو سلب ثيابه ونحو ذلك أو حتى ما إذا ادّعى أنّ الغير يظلمه في التصرّف
في أمواله ووضع يده عليها من غير ولاية أو وصاية أو يتلف عليه أمواله حتى مع
الولاية والوصاية، فلا يبعد سماعها فيما إذا أحضر بيّنة أو ذكر أنّ له بيّنة أو
احتمل القاضي علمه بظلامته إذا فحص الأمر، فلا يبعد السماع بهذا المعنى، حفظا
للنظام ودفعا للظلامة إذا ثبتت. ولكن هذا غير السماع للقضاء في واقعة‌ الصبي، فإنّ
الصبي لا يستحلف ولا يعتبر إقراره ولا يرد عليه اليمين ولا يجوز عليه أمره،
اللّهمّ إلّا أن يقال: أنّ عدم السماع بهذا المعنى يجري عندهم في دعوى الوكيل، بل
الولي أيضا على ما تقدم
.[41]

ومحصل الکلام:

انه یجوز سماع دعوی الصبی فيما لم یناف مقتضی أدلة الحجر،
بل یجب سماع دعواه اذا تظلم واستغاث بالحاکم من جور أو جنایة علیه.

وذلک لما دل من النصوص علی وجوب اغاثة المؤمنین عند
الاستغاثة وقضاء حوائجهم ورفع الظلم عنهم ونصرة المظلوم ونحو ذلک[42].

 



[1] . کما فی قوله تعالی: «ثُمَّ
لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ
» النساء:65.

[2] . کما فی قوله تعالی
وَ قَضی‏ رَبُّکَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِیَّاهُ
» الاسراء:23.

[3] . کما فی قوله تعالی
فَلَمَّا قَضي‏ مُوسَي الْأَجَلَ»
القصص:29.

[4] . کما فی قوله تعالی
فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ
» سبأ:14.

[5] . کما فی قوله تعالی
فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ
» فصلت:12.

[6] . جواهر الکلام فی شرح
شرائع الاسلام 40  : 7.

[7] . کتاب القضاء
والشهادات:35.

[8] . ثمرة هذا الارجاع انه
هذا المعنی مشترک معنوی بمعنی ان للفظ القضاء معنی واحد وسائر المعانی یرجع الیه.

[9] . مناط التبادر عند
الفقیه هو المعنی المتبادر فی باله من دون قرینة وهذا یحصل من کثرة الممارسة
والاستعمال واحاطته الذهنیة حول الالفاظ واللغات.

[10] . سورة النساء
الآیة:59.

[11] . سورة النساء الآیة:60.

[12] . عیون أخبار الرضا ج2
ص119 ح2. بحار الانوار ج6 ص85.

[13] . لا بمعنی أن القاضی
هو من ينصب نفسه اميرا على القضاء كما هو شأن الطواغيت، بل بمعنی أن القضاء منصب
يجعله الله ومن له الولاية على البشر ذاتا، ولیس منصبا يتحقق بانتخاب الناس.

[14] . سورة النساء الآیة:60.

[15] . کاالنظر فی الحلال
والحرام والتعرف بالأحکام والعدالة وغیر ذلک من الشروط المعتبرة.

[16] . نهج البلاغة صبحی
صالح: ص82. ط40.

[17] . سورة الاحزاب
الآیة:6.

[18] . سورة النساء
الآیه:65.

[19] . سورة النساء الآیة:59.

[20] . سورة ص الآیة:26.

[21] . سورة النساء الآیه:105.

[22] . هکذا فی من لا یحضره
الفقیه ج 3 ص 5 ولکن فی الکافی ورد بدل لنبی: کنبی. فی ج 7 ص 406.

[23] . الکافی ج7 ص 406.

[24] . هکذا فی من لا یحضره
الفقیه ج 3 ص 5 ولکن فی الکافی ورد بدل لنبی: کنبی. فی ج 7 ص 406.

[25] . الذی لا توثیق له ولم یکن من
المشاهیر.

[26] . رياض المسائل (ط – الحديثة)؛ ج‌15، ص: 148-
149.

[27] . مجمع الفائدة و البرهان في شرح إرشاد الأذهان؛
ج‌12، ص: 115

[28] . جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام؛ ج‌40، ص:
376

[29] . حیث قال: ” و ادّعى في المعتمد الإجماع
عليه صريحا”.مستند الشيعة في أحكام الشريعة؛ ج‌17، ص: 146

[30] . الوسائل: باب 4 من أبواب مقدمة العبادات ح2.

[31] . الوسائل: باب 11 من أبواب العاقلة ح2.

[32] . الوسائل: باب 11 من أبواب العاقلة ح1.

[33] . الصحاح: ج6 ص 2239.

[34] . ولکن هذا فیما لو کان المیزان الخروج عن
الطفولیة وهذا اول الکلام، بل تدل النصوص علی الدخول فی البلوغ
.

[35] . المائدة: 49.

[36] . الكافي ج‏ ۲، ص ۱۶۴ ح ۵ ؛ تهذیب الاحکام، ج ۶،
ص ۱۷۵، ح ۲۹.

[37] . کالآیات القرآنیة: النساء:135. المائدة: 42. ومن
النصوص الروائیة: وسائل الشيعة، ج12، ص268.

[38] . ما ذکر آنفا.

[39] . تكملة العروة الوثقى؛ للسید الیزدی ج‌2، ص: 36.

[40] . هذا ولکن یمکن ان یقال بالفرق بین الاموال التی
هی تحت تصرف الصبی فسلبت منه، کالثوب الذی هو لابسه وبین الاموال التی لیس تحت
تصرفه، کأرش الجنایة ولم نقف علی من فرق بینهما.

[41] . أسس القضاء والشهادة، للشیخ التبریزی.
ص309-310.

[42] . قد سبق آنفا.

ثبت دیدگاه

دیدگاهها بسته است.