حدیث روز
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ اَللهمَّ کُن لولیَّک الحُجةِ بنِ الحَسَنِ صَلَواتُکَ عَلَیهِ وَ عَلی ابائهِ فی هذهِ السّاعةِ، وَ فی کُلّ ساعَة وَلیّا وَ حافظاً وقائِداً وَ ناصِراً وَ دَلیلاً وَ عَیناً حَتّی تُسکِنَهُ اَرضَکَ طَوعاً وَ تُمَتّعَهُ فیها طَویلاً

شنبه, ۳۱ شهریور , ۱۴۰۳ Saturday, 21 September , 2024 ساعت تعداد کل نوشته ها : 2534×

بسم الله الرحمن الرحیم

الشبهة العبائیة


الاستاذ: سماحة الشیخ السیفی المازندرانی

المقرر: السید محمد الجلالی

الشبهة العبائية:

هذه الشبهة قد أوردها السيد المحقق السيد إسماعيل الصدر (قدس سره) في بعض
مجالسه في النجف الأشرف، وقد اشتهرت بالشبهة العبائية.

 

تقریب الشبهة:

هذه الشبهة فی الحقیقة اشکال علی القسم الثانی من تقسیمات استصحاب الکلی، بأن
القول باستصحاب الکلی قد ینافی القول بطهارة الملاقی لأحد طرفي الشبهة المحصورة.

فاذا علمنا اجمالا بنجاسة أحد طرفی العباءة، ثم غسلنا أحد الطرفین تصبح تلك
النجاسة المعلوم الحدوث، مشکوکة الارتفاع. فینبغی ان یجری الاستصحاب فی هذه
العباءة ونحکم بنجاستها؛ لان مقتضی استصحاب النجاسة، هو الحکم بنجاسة الملاقی
لطرفی العباءة معا، مع ان هذا اللازم باطل بالضرورة، لان ملاقی أحد طرفی الشبهة
المحصورة محکوم بالطهارة بالاجماع. والملاقی قد لاقی أحد الطرفین وهو الطرف
الأعلی، واما الطرف الاسفل وان لاقاه فانه قد خرج عن كونه طرفا للشبهة بتطهیره
یقینا، فلا معنی للحکم بنجاسة ملاقیه. والاستصحاب هنا من باب استصحاب الکلی من
القسم الثانی. ولاشك فی ان مستصحب النجاسة لابد ان یحکم بنجاسة ملاقیه، بینما انه
– هنا – لا یحکم بنجاسة الملاقی، فیکشف ذلك عن عدم صحة استصحاب الکلی القسم الثانی
هنا .[1]

بیان آخر في تقریب الشبهة:

إن كلي النجاسة، مردد بين المتيقن ارتفاعه بالغسل وبين المتيقن بقاؤه بعدم
الغسل فعلى القول باستصحاب الکلی: لابد ان یحکم بنجاسة الملاقی في الفرض، لان کلی
النجاسة کان متیقن الحدوث، وهو مردد بین فردین: أحدهما متیقن الارتفاع وهو الطرف
المغسول. والآخر متیقن البقاء وهو الطرف غیر المغسول. فیکون من قبیل القسم الثانی
من أقسام استصحاب الکلی[2].

وأما الحكم بالطهارة، فلان المفروض تعلق العلم الاجمالی بنجاسة أحد طرفی
العباءة، ثم غسل أحد الطرفین، ثم ملاقاة شیء للطرفین معا، فملاقی أحد الطرفين
في هذا الفرض – محکوم بالطهارة، لانه ملاق لأحد
طرفي الشبهة المحصورة . فان الطرف المغسول یحکم بطهارته قطعا، لتطهره بالغسل.
ویکون الملاقی للطرفین فی حکم الملاقی لأحد طرفی الشبهة المحصورة.

فتبین أن هذه الشبهة واردة علی من التزم بأمرين:

اولا: ان
يحكم بطهارة الملاقی، ولا يحکم بنجاسة الملاقی.

وثانیا: ان
يقول بحجیة استصحاب القسم الثانی [من الكلي].

اذ لو قال
بنجاسة الملاقی، أو التزم بعدم حجیة استصحاب القسم الثانی من استصحاب الكلي، فانه
لا یقع تناف بين الحكمين أصلا.

هذا، وقبل الخوض فی البحث لابد أولا من بیان أقسام استصحاب الکلی علی سبیل
الایجاز، ثم ذکر الأقوال وبيان النقض والابرام الوارد فيها.

 

أقسام استصحاب الکلی:

ینقسم الاستصحاب بلحاظ کون المستصحب کلیا الی أقسام:

أحدها: ما اذا کان الشك فی بقاء الکلی المتیقن وجوده فی ضمن فرد منه، لاجل
الشك فی بقاء ذلك الفرد الذی تحقق الکلی بوجوده یقینا، کالشك فی بقاء طبیعی الحدث
المتیقن وجوده بتحقق سبب خاص من أسباب الحدث، لاجل الشك فی ارتفاع ذلك السبب.

و هذا هو القسم الشائع من الاستصحاب الكلي فی أبواب الفقه.

ثانیها: ما اذا کان الشك فی بقاء الکلی لاجل الشك فی تعیین الفرد من الكلي
المردد وجوده بین الفرد المتیقن البقاء وبین الفرد المتیقن الارتفاع.

و هو المبحوث عنه فی هذه الشبهة.

ثالثها: ما اذا کان الشك فی بقاء الکلی لاجل الشك فی حدوث فرد آخر من الكلي،
مع القطع بارتفاع ذلك الفرد المتیقن الحدوث.

وقد أضاف بعض المحققین قسما رابعا[3]
ولا نتعرض له روما للاختصار.

 

منهجية البحث فی الجواب عن الشبهة:

بعد تقریب الشبهة وبیان أقسام استصحاب الکلی ننتقل الى الجواب عن هذه الشبهة،
فنذکر آراء الفقهاء أولا، وما يرد فيها من النقض والابرام ، ثم نذکر المحصل من
الاقوال.

 

كلمات المحققين في الجواب عن الشبهة:

کلام المحقق النائینی رحمه الله:

قال المحقق النائيني رحمه الله فی الفوائد:

“إذا كان الإجمال والترديد في محلّ المتيقّن وموضوعه، لا في نفسه
وهويّته، فهذا لا يكون من [باب] الاستصحاب [الكلي]، بل يكون كاستصحاب الفرد
المردّد الّذي قد تقدّم المنع عن جريان الاستصحاب فيه عند ارتفاع أحد فردي
الترديد.

فلو علم بوجود الحيوان الخاصّ في الدار، وتردّد بين أن يكون في الجانب الشرقي
أو في الجانب الغربي، ثمّ انهدم الجانب الغربي واحتمل أن يكون الحيوان تلف
بانهدامه.

أو علم بوجود درهم خاصّ لزيد فيما بين هذه الدراهم العشر، ثمّ ضاع أحد الدراهم،
واحتمل أن يكون هو درهم زيد.

أو علم بإصابة العباءة نجاسة خاصّة، وتردّد محلّها بين كونها في الطرف الأسفل
أو الأعلى، ثمّ طهّر طرفها الأسفل.

ففي جميع هذه الأمثلة استصحاب بقاء المتيقّن لا يجري، ولا يكون من الاستصحاب
الكلّي، لأنّ المتيقّن السابق أمر جزئيّ حقيقيّ لا ترديد فيه، وإنّما الترديد في
المحلّ والموضوع، فهو أشبه باستصحاب الفرد المردّد عند ارتفاع أحد فردي الترديد،
وليس من الاستصحاب الكلّي‏”.[4]

قال السید الخوئی رحمه الله فی تبیین هذا الاشکال:

أنّ الاستصحاب الجاري في مثل العباء ليس من استصحاب الكلي في شي‏ء، لأن
استصحاب الكلي إنّما هو فيما إذا كان الكلي المتيقن مردداً بين فردٍ من الصنف
الطويل و فردٍ من الصنف القصير، كالحيوان المردد بين البق والفيل على ما هو
المعروف، بخلاف المقام، فانّ التردد فيه في خصوصية محل النجس مع العلم بخصوصية
الفرد، والتردد في خصوصية المكان أو الزمان‏ لا يوجب كلية المتيقن، فليس الشك
حينئذ في بقاء الكلي وارتفاعه حتى يجري الاستصحاب فيه، بل الشك في بقاء الفرد
الحادث المردد من حيث المكان و ذكر لتوضيح مراده مثالين:

الأوّل: ما إذا علمنا بوجود زيد في الدار، فانهدم الطرف الشرقي منها، فلو كان
زيد فيه فقد مات بانهدامه، ولو كان في الطرف الغربي فهو حي، فحياة زيد وإن كانت
مشكوكاً فيها، إلّا أنّه لا مجال معه لاستصحاب الكلي، والمقام من هذا القبيل
بعينه.

الثاني: ما إذا كان لزيد درهم واشتبه بين ثلاثة دراهم مثلًا، ثمّ تلف أحد
الدراهم، فلا معنى لاستصحاب الكلي بالنسبة إلى درهم زيد، فانّه جزئي واشتبه بين
التالف و الباقي.
[5]

قد ناقش السید الخوئی رحمه الله بأنّ الاشكال ليس في تسمية الاستصحاب الجاري
في مسألة العباءة باستصحاب الكلي، بل الاشكال إنّما هو في أنّ جريان استصحاب
النجاسة لا يجتمع مع القول بطهارة الملاقي لأحد أطراف الشبهة، سواء كان الاستصحاب
من قبيل استصحاب الكلي أو الجزئي.
[6]

قال شیخنا الأستاذ: وفیه ان مقتضی التحقیق عدم وجوب الاجتناب هن الملاقی لأحد
الأطراف الشبهة المحصورة وانه لا يمكن القول بحجیة استصحاب الکلی بقسمیه الثانی
والثالث، وذلك لعدم وحدة القضیة المتیقنة والقضية المشکوکة. والامر فی المقام أیضا
کذلك، والحق انه من قبیل القسم الثالث من استصحاب الکلی یتردد النجاسة بین الفرد
المقطوع الارتفاع وبین الفرد المشکوک الحدوث نظرا الی الشک فی أصل نجاسة الطرف غیر
المغسول. فهو من مصاديق القسم الثانی، لتردد النجاسة بین الفرد المتیقن الارتفاع
وبین الفرد المتیقن البقاء[7].

 

الجواب الثاني للمحقق النائینی عن الشبهة:

وهنا جواب آخر للمحقق النائینی عن الشبهة ، وهو : أنه قد ادعی ان المعتبر فی
الاستصحاب جریانه بنحو مفاد کان الناقصة، والاستصحاب فی المقام لیس من هذا القبیل.
بل علی نحو مفاد کان التامة.

توضیح ذلك: ان الاستصحاب قد یجری فی قضیة قد تحققت علی نحو کان التامة، أی:
ثبوت الشئ. وقد یجری علی نحو مفاد کان الناقصة، أی: ثبوت شئ لشئ.

وبعبارة أخرى: أن البحث تارة يكون عن ثبوت الموضوع وما هو مفاد كان التامة،
فلا يكون بحثا عن عوارضه، فإنها مفاد كان الناقصة[8].

ففی المقام ادعی عدم امکان استصحاب نجاسة العباءة علی نحو کان الناقصة، وانما
الاشکال فی استصحابها علی نحو کان التامة، وأنه لا یثبت بهذا الاستصحاب نجاسة
العباءة وملاقیها الا علی القول بالأصل المثبت.

قال المحقق الخوئی فی تقریب کلام أستاذه، ما نصه:

“أنّ الاستصحاب المدعى في المقام لا يمكن جريانه في مفاد كان الناقصة،
بأن يشار إلى طرف معيّن من العباءة ويقال: إنّ هذا الطرف كان‏ نجساً وشك في
بقائها، فالاستصحاب يقتضي نجاسته، وذلك لأن أحد طرفي العباءة مقطوع الطهارة والطرف
الآخر مشكوك النجاسة من أوّل الأمر، وليس لنا يقين بنجاسة طرف معيّن يشك في بقائها
ليجري الاستصحاب فيها. نعم، يمكن إجراؤه في مفاد كان التامة، بأن يقال: إنّ
النجاسة في العباءة كانت موجودة، وشك في ارتفاعها ، فالآن كما كانت، إلّا أنّه لا
تترتب نجاسة الملاقي على هذا الاستصحاب إلّا على القول بالأصل المثبت، لأنّ الحكم
بنجاسة الملاقي يتوقف على نجاسة ما لاقاه وتحقق الملاقاة خارجاً، ومن الظاهر أنّ
استصحاب وجود النجاسة في العباءة لا يثبت ملاقاة النجس إلّا على القول بالأصل
المثبت، ضرورة أنّ الملاقاة ليست من الآثار الشرعية لبقاء النجاسة، بل من الآثار
العقلية، وعليه فلا تثبت نجاسة الملاقي للعباءة”.[9]

ولكنه رحمه الله ناقش فیه بعد تقریب کلام أستاذه: بأنه قد يمكن جريان
الاستصحاب في‏ مفاد كان الناقصة مع عدم تعيين موضع النجاسة، بأن نشير إلى الموضع
الواقعي، ونقول: طرف من هذا العباءة كان نجساً ، والآن كما كان، فهذا الطرف محكوم
بالنجاسة للاستصحاب، والملاقاة ثابتة بالوجدان، إذ المفروض تحقق الملاقاة مع طرفي
العباءة، فيحكم بنجاسة الملاقي لا محالة.

وما ذكره قدس سره- من أنّه لا يمكن جريان الاستصحاب بنحو مفاد كان الناقصة،
لأن أحد طرفي العباءة مقطوع الطهارة، والطرف الآخر مشكوك النجاسة من أوّل الأمر-
جارٍ في جميع صور استصحاب الكلي، لعدم العلم بالخصوصية في جميعها.[10]

ولكن يمكن أن يقال: أن ما أفاده من الاستصحاب فی مفاد کان الناقصة هو نفس
استصحاب الفرد المردد، لأنا حینما نقول: طرف من هذه العباءة كان نجساً والان نشك
فی ذلك. ففی الحقیقة نشك فی أن فرد النجاسة فی الخارج هل هو من مصادیق الکلی الذی
ینعدم بغسل طرف من العباءة ، أو أنه من مصادیق الکلی الذی لا ینعدم بالغسل، بل
النجاسة باقية كما کانت.

أللهم الا أن یقال: ان هذا لیس استصحابا للفرد المردد، لأن الشك انما هو فی أن
النجاسة هل هي ضمن الفرد المرتفع، أم ضمن الفرد الباقی.

لا يقال: ان ما یستصحب علی نحو مفاد الناقصة أیضا انما هو على الأصل المثبت
أيضا، لأنا حینما نقول: “جزء غیر معین من العباءة کان نجسا، والان کما
کان”. فی الحقیقة أن الحاكم بملاقاة الطرف غیر المعین انما هو العقل.

لأنا نقول: ان ما یثبت بهذا الاستصحاب انما هو نجاسة هذه العباءة فقط، وأما
ملاقاة الشیء لها فهو أمر وجدانی، ونجاسة الملاقی، لیس الا أثرا شرعيا للمتنجس.
وعليه فالتفريق بین الجزء المعین وغیر المعین لا يرجع الى محصل.

 

کلام المحقق الخوئی رحمه الله:

ويظهر من المحقق الخوئي رحمه الله ضمن اشکاله علی المحقق النائینی، ما حاصله: أنه
قد التزم بنجاسة الملاقِي، لأنّ القول بطهارته انما هو فيما إذا لم يكن هناك أصل
حاكم على نجاسته كما في المقام، حيث إنّ استصحاب الجامع يقتضي نجاسة ملاقيه.

نعم يلزم منه التفكيك بين الحكم بنجاسة الملاقِي
ونجاسة الملاقَى، وهو ليس بمحذور، لإمكان التفكيك بين المتلازمين في مؤدّيات
الأُصول، فيحكم بنجاسة الملاقِي دون الملاقَى.

توضیح ذلك: ان الحکم بنجاسة الملاقِی ليس لاجل رفع الید عن طهارة ملاقِی أحد
أطراف الشبهة المحصورة، بل لعدم جریان أصل یؤدی الی طهارة العباءة، لانها مسبوقة
بالنجاسة المتیقنة، فعند الشك فی بقاء النجاسة تستصحب النجاسة. فاذا صارت العباءة
محکومة بالنجاسة لامناص من الحکم بنجاسة ملاقیها، اذ الحکم بالطهارة اما لاستصحاب
طهارة الملاقِی او للاستصحاب الموضوعی وهو استصحاب عدم ملاقاة النجس. وکلاهما
لایجریان [ في المقام] لانا نعلم بملاقاة النجس لأحد طرفی الملاقَی [العباءة]
وجريان استصحاب الکلی.

قال فی المصباح ما نصه:

“فالانصاف في مثل مسألة العباءة هو الحكم بنجاسة الملاقِي – لا لرفع اليد
عن الحكم بطهارة الملاقِي لأحد أطراف الشبهة المحصورة، على ما ذكره السيد الصدر
(قدس سره)، من أنّه على القول بجريان استصحاب الكلي لابدّ من رفع اليد عن الحكم
بطهارة الملاقِي لأحد أطراف الشبهة – بل لعدم جريان القاعدة التي نحكم لأجلها
بطهارة الملاقِي في المقام، لأنّ الحكم بطهارة الملاقِي إمّا أن يكون لاستصحاب الطهارة
في الملاقِي، وإمّا أن يكون لجريان الاستصحاب الموضوعي، وهو أصالة عدم ملاقاته
النجس.

وكيف كان، يكون الأصل الجاري في الملاقِي في مثل مسألة العباءة محكوماً
باستصحاب النجاسة في العباءة، فمن آثار هذا الاستصحاب هو الحكم بنجاسة الملاقِي.
ولا منافاة بين الحكم بطهارة الملاقِي في سائر المقامات والحكم بنجاسته في‏

مثل المقام، للأصل الحاكم على الأصل الجاري في
الملاقِي، فانّ التفكيك في الأصول كثير جداً، فبعد ملاقاة الماء مثلًا لجميع أطراف
العباءة نقول: إنّ الماء قد لاقى شيئاً كان نجساً، فيحكم ببقائه على النجاسة للاستصحاب،
فيحكم بنجاسة الماء
.[11]

ويلاحظ عليه:

أن الشك فی نجاسة الملاقی لایکون مسببا عن الشك فی وجود کلی النجاسة، لأجل أن
استصحاب کلي النجاسة لا یثبت نجاسة الملاقی الا علی القول بالأصل المثبت[12].

وأيضا: أنّ جريان الاستصحاب في مثل هذا المورد، مما لا يقبله الوجدان، وليس هو
نصّ يفرض على الفقيه التعبّد به بالخصوص، فلا يمكن الاقتصار فيه بإطلاق:«لا
تنقض…» ، فانه منصرف عن مثل هذا المورد، حيث يزيد فيه الفرع على الأصل، لأنّ
نجاسة الملاقَى إنّما هو من الملاقِي. فكيف يحكم بنجاسة الفرع دون الأصل؟[13]

وعلی هذا، فان استصحاب الجامع غير جار هنا، وذلك لأنّ من شرائط جريانه وحدة
القضية المشكوكة مع القضية المتيقّنة، وليس المقام كذلك، لأنّ العلم بالجامع في
الطرف السابق كان مقروناً بالعلم لوجود النجس في البين، وانّه إمّا في هذا الطرف
أو ذاك الطرف، على نحو كان يصحّ لنا القول بأنّ هذا الثوب نجس إمّا أعلاه وإمّا
أسفله، وأمّا بعد غَسل الطرف الأسفل لا يصحّ ترديد النجاسة بين الطرفين، بل يكون
الطرف الأسفل طاهراً قطعاً، والطرف الآخر مشكوك النجاسة. فأين الحالة الثانية من
الحالة المتيقّنة؟ فكيف يستصحب حكم الحالة السابقة ويجرّ إلى الحالة الثانية مع
اختلافهما؟

و هذا نظير العلم بنجاسة أحد الإناءين في زمان واحد، مع إراقة واحد منهما، فلا
يصحّ لنا استصحاب النجاسة، لأنّ العلم بالجامع في السابق كان على نحو يصحّ لنا
القول بأنّ النجس إمّا في هذا الإناء أو في ذاك. وبعد الإراقة لا يصحّ لنا هذا
التعبير.

نعم يجب الاجتناب عن الإناء الآخر، وذلك – لا لاستصحاب الجامع- بل لأجل أنّ
الاجتناب [هو] أثر العلم الإجمالي السابق.[14]

 

کلام السید الامام رحمه الله:

أستشکل السید الامام علی المحقق النائینی بأن استصحاب النجاسة فی العباءة لیس
من قبیل استصحاب الفرد المردد، بل هو من باب استصحاب الکلی. حيث قال ما نصه:

“إنَّ استصحاب الفرد المُردّد عبارة عن استصحابه على ما هو عليه من
الترديد، وهو غير جار في المقام، وليس المقام شبيهاً به، بل المُراد بالاستصحاب في
المقام هو استصحاب بقاء الحيوان في الدار من غير تعيين محلّه، وكذا استصحاب بقاء
النجاسة في الثوب من غير تعيين كونها في هذا الطرف أو ذاك، ومن غير إرادة الجريان
في الفرد المُردّد؛ ضرورة أنَّه مع تطهير الطرف الأسفل من الثوب ينقطع الترديد،
ولا مجال لاستصحاب المُردّد، بل ما يراد استصحابه هو بقاء الحيوان في الدار
والنجاسة في العباءة، وهذا استصحاب الكلّي، وكون الحيوان الخاصّ فرداً جزئيّاً
حقيقيّاً لا ينافي استصحاب الكلّي كما لا يخفى، كما أنَّ استصحاب الشخص الخاصّ
والجزئيّ الحقيقيّ كاستصحاب بقاء زيد في الدار، وبقاء النجاسة المُتحقّقة
الخارجيّة الجزئيّة في الثوب، ممّا لا إشكال فيه؛ فإنَّه استصحاب للفرد المشكوك
فيه، ولا شباهة له باستصحاب الفرد المُردّد.”[15]

وأجاب رحمه الله عن الشبهة بما نصه:

“ثمَّ إنَّه لا إشكال في أنَّه لا يترتّب على استصحاب الكلّي أثر الفرد
ولا أثر غيره من لوازمه وملزوماته؛ ضرورة أنَّ بقاء الكلّي مستلزم عقلًا لوجود
الفرد الطويل. وهذا هو الجواب عن الشبهة العبائيّة المعروفة؛ فإنَّه مع تطهير أحد
طرفي الثوب لا يجري استصحاب الفرد المُردّد، ولكن جريان استصحاب النجاسة وإن كان
ممّا لا مانع منه؛ لأنَّ وجود النجاسة في الثوب كان مُتيقّناً، ومع تطهير أحد
طرفيه يشكّ في بقائه فيه، إلّا أنَّه لا يترتّب على مُلاقاة الثوب أثر مُلاقاة
النجس؛ فإنَّ استصحاب بقاء الكلّي أو الشخص الواقعيّ، لا يثبت كون مُلاقاة الأطراف
مُلاقاة للنجس إلّا بالأصل المُثبت، لأنَّ مُلاقاة الأطراف مُلاقاة للنجس
عقلًا”[16].

و توهم أن الحاکم بنجاسة الملاقی انما هو الوجدان لا العقل، مدفوع: بأن
استصحاب الکلی لم یثبت الحکم فی مورد جزئی الا بالأصل المثبت، ولأجل هذا ذهب
المحقق النائینی الی التفریق بین کان التامة والناقصة.

 

کلام الشیخ المظفر رحمه الله:

ذهب الشيخ المظفر رحمه الله الی أن المقام قد یکون من باب استصحاب الفرد
المردد، لا استصحاب الکلی القسم الثانی، لأجل أن الموضوع للنجاسة المستصحبة لیس
أصل العباءة أو الطرف الکلی منها، بل نجاسة الطرف الخاص بما هو طرف خاص، اما الأعلی
أو الأسفل.

فقال فی بیان ذلك:

” الضابط لكون المورد من باب استصحاب الكلى القسم الثانى أو من باب
استصحاب الفرد المردد: ان الاثر المراد ترتيبه اما ان يكون أثرا للكلى، أى أثرا
لذات الحصة من الكلى، لا بما لها من التعين الخاص والخصوصية المفردة، أو أثرا
للفرد، أى أثرا للحصة بما لها من التعين الخاص والخصوصية المفردة.

فان كان الأول، فيكفي فيه استصحاب القدر المشترك، أى ذات الحصة الموجودة اما
في ضمن الفرد المقطوع الارتفاع على تقدير أنه هو الحادث، أو الفرد المقطوع البقاء
على تقدير أنه هو الحادث. ويكون ذلك من باب استصحاب الكلى القسم الثانى. وقد تقدم
اننا لا نعنى من استصحاب الكلى استصحاب نفس الماهية الكلية، بل استصحاب وجودها.

وإن كان الثانى، فلا يكفي استصحاب القدر المشترك، وانما الذى ينفع: استصحاب
الفرد بما له من الخصوصية المفردة، المفروض فيه أنه مردد بين الفرد المقطوع
الارتفاع على تقدير أنه الحادث، أو الفرد المقطوع البقاء على تقدير أنه الحادث،
ويكون ذلك من باب استصحاب الفرد المردد”.[17]

ثم قال بعدم جریان استصحاب الفرد المردد، وذلك لأمرین:

اما لأجل عدم تمامیة الرکن الثانی، وهو الشك فی البقاء. او لعدم تمامیة الرکن
الاول، وهو الیقین بالحدوث. ورجّح الامر الثانی[18].

 

کلام السید الشهيد الصدر رحمه الله:

التزم السید الشهید بأنّ استصحاب الجامع وإن كان أركانه تامّة، لكن لا يترتب
على مؤدّاه نجاسة اليد الملاقية لطرفي العلم الاجمالي إلّا بالملازمة العقلية،
معللا ذلك بما مفاده:

أنّ نجاسة الجامع لو فرض محالًا وقوعها على الجامع وعدم سريانها إلى هذا الطرف
أو ذاك، لا تسرّي إلى الملاقِي، لأنّ نجاسة الملاقِي موضوعها نجاسة هذا الطرف أو
ذاك الطرف، لا الجامع بما هو جامع. فما هو محكوم بالنجاسة، أعني الجامع ليس
موضوعاً لنجاسة الملاقِي.

وأمّا ما هو موضوع لنجاسة الملاقِي، فليس محكوماً بالنجاسة إلّا بالملازمة
العقلية، فإثبات نجاسة أحد الطرفين بخصوصه بنجاسة الجامع، يكون بالملازمة العقلية[19].

والحاصل: انّ استصحاب الجامع وبقاءه يلازم عقلًا نجاسة الملاقى، لأنّ المفروض
تطهير الطرف الأسفل، فلو كان الجامع باقياً، فلا بدّ أن يكون باقياً في الجانب
الأعلى (الملاقى)، وبعد ثبوت نجاسته بالملازمة، يصحّ الحكم بنجاسة الملاقِي (أي اليد)،
لما عرفت من أنّ نجاسة الملاقِي من آثار نجاسة الملاقَى.

ویلاحظ علیه:

أنّه لا فرق بين استصحاب الجامع والمنع من الدخول في الصلاة به، وبين نجاسة
الملاقَى. الا ان الاول قد يترتب هنا دون الثاني.
اللّهمّ إلّا أن يقال: انّ منع الدخول من آثار استصحاب الجامع، وأمّا نجاسة
الملاقِي ف[هي] من آثار نجاسة هذا الطرف [أ] وذاك، فـ[ان هذا] لم يثبت.[20]

 

کلام أستاذنا
المحقق دام ظلّه:

ذهب شیخنا
الاستاذ أدام الله ظلّه، الی أن الشبهة العبائیة مما لا أساس لها، بناء علی کون
الاستصحاب فی المقام من قبیل استصحاب الکلی. وذلك لأجل قصور الاستصحاب والعلم
الاجمالی لاثبات نجاسة الملاقی.

بیان ذلك: أن
استصحاب الکلی بقسمیه- الثانی والثالث – ليس بحجة، لعدم وحدة القضیة المتیقنة
والمشکوکة، ولرجوع الشك فيهما الی الشك فی المقتضي. مضافا الی أن العلم الاجمالی
هنا لا یكفي لاثبات نجاسة الملاقی، لأن الملاقی هو شئ ثالث غیر طرفي العلم
الاجمالی، والطرف غیر المغسول وان کان محکوما بالنجاسة
بناء علی
عدم الانحلال بخروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء بعد تعلق العلم الاجمالی بها- الا
أن المعتبر فی سرایة النجاسة الی الملاقی، هو: ثبوت النجاسة للملاقَی بالعلم أو الأمارة
الشرعیة، لقصور العلم الاجمالی عن تنجیزه بالنسبة الی ما هو خارج عن أطرافه، فلا
مانع من جریان الأصل النافی فی الملاقِی لأحد الطرفین حتی قبل غسل الطرف الآخر،
فضلا عن جريانه بعد غسل الطرف الآخر[21].

وأما قیاس
المقام بالحکم بطهارة ملاقی أحد أطراف العلم الاجمالی فی الشبهة المحصورة، فهو
قياس مع الفارق، لأن أطراف الشبهة هناك أشیاء مستقلة، لا یجری فیها الا استصحاب
الکلي، وأما المشکوك فی المقام انما هو بقاء نجاسة العباءة، فأطرافها أجزاء عین
خارجیة، فیجری فیها استصحاب حکم الموضوع الجزئی العینی الخارجی.[22]

وما ذهب اليه
أستاذنا المحقق دام ظله هو الأرجح في النظر، لقوة الاستدلال الذي مرّ تفصيله أنفا.

 

 

خلاصة البحث:

المحصل بعد
مراجعة كلمات الأعلام هو:

أولا: القول
بنجاسة الملاقي، كما ذهب اليه السيد الخوئي رحمه الله.

ثانيا: القول
بعدم جريان استصحاب الكلي في المقام، بل هو من قبيل استصحاب الفرد المردد.

أو ان
الاستصحاب المدعى جريانه في الشبهة العبائية، ليس من قبيل مفاد كان الناقصة، بل من
قبيل كان التامة، فلا يجري فيها الاستصحاب، كما ذهب اليه المحقق النائيني رحمه
الله.

ثالثا: عدم
جريان استصحاب الفرد المردد، وابتلاء جريان استصحاب النجاسة بالأصل المثبت، كما
ذهب اليه السيد الامام رحمه الله.

رابعا: عدم
جريان استصحاب الفرد المردد، لعدم وجود أحد أركان الاستصحاب، وهو اليقين بالحدوث
في المقام، كما ذهب اليه الشيخ المظفر رحمه الله.

خامسا: الحكم
في المقام بعدم نجاسة الملاقي، لان الحكم بالنجاسة من اللوازم العقلية المترتبة
على استصحاب الجامع وبقاؤه، كما ذهب اليه السيد الشهيد الصدر رحمه الله.

سادسا: أن
الشبهة العبائية لا أساس لها أصلا، لعدم حجية استصحاب الكلي – القسم الثاني- ،
وقصور العلم الاجمالي عن اثبات نجاسة الملاقي، كما ذهب اليه شيخنا الأستاذ المحقق
دام ظله.

وهو المختار
الذي لا محيص عنه ، والله أعلم.

 

 

و آخر دعوانا
ان الحمدلله رب العالمین

 

 

 



[1] .
انظر: اصول الفقه، للمظفر: ج4 ص 265 و267.

[2] .
بدایع البحوث: ج10 ص 319-320.

[3] .
مصباح الاصول: ج 3 ص 118-119.

[4] .
فوائد الاصول ج 4 ص 422. اما اشکال المحقق النائینی علی عدم امكان استصحاب الفرد
المردد فهو: ” أنّ استصحاب الفرد المردّد معناه: بقاء الفرد الحادث على ما هو
عليه من الترديد، وهو يقتضي الحكم ببقاء الحادث على كلّ تقدير، سواء كان هو الفرد
الباقي أو الفرد الزائل، وهذا ينافي العلم بارتفاع الحادث على تقدير أن يكون هو
الفرد الزائل، فاستصحاب الفرد المردّد عند العلم بارتفاع أحد فردي الترديد ممّا لا
مجال له”.

هذا ، وذکر المحقق
العراقی وجها آخر لعدم حجیة هذا الاستصحاب بقوله:” فلا يجري فيه الاستصحاب ـ
لا لتوهم عدم اجتماع أركانه فيه، من اليقين بالوجود والشك في البقاء – بل لعدم
تعلق اليقين والشك بموضوع ذي أثر شرعي، لأنه يعتبر في صحة التعبد بالشي‏ء تعلق
اليقين والشك به بالعنوان الّذي يكون بذلك العنوان موضوعا للأثر الشرعي
“.
نهایة الافکار ج4 ص 114.

[5]  مصباح الأصول ( طبع موسسة إحياء آثار السيد الخوئي )، ج‏2، ص: 132

[6] . انظر
بدائع البحوث ، ج 10 ، ص 320.

[7] .
بدایع البحوث. ج10 ص 321.

[8] . إن البحث
عن ثبوت الموضوع وما هو مفاد كان التامة ليس بحثا عن عوارضه فإنها مفاد كان الناقصة.
کفایة‌ الأصول، ص 8.

[9] . مصباح
الأصول ( طبع موسسة إحياء آثار السيد الخوئي )، ج‏2، ص: 133.

[10] .
مصباح الأصول ( طبع موسسة إحياء آثار السيد الخوئي )، ج‏2، ص: 134(بتصرف).

[11] .
مصباح الأصول ج‏2، ص: 135.

[12] .
الاستصحاب: ص 88.

[13] .
انظر: إرشاد العقول الى مباحث الأصول، ج‏4، ص:125.

[14] .
إرشاد العقول الى مباحث الأصول، ج‏4، ص:126- 127.

[15] .
الاستصحاب، ص: 91.

[16] .
انظر: الاستصحاب: ص88

[17] . أصول
الفقه : ج4 ص 266-267.

[18] . نفس
المصدر: ص 267.

[19].
بحوث في علم الأصول، ج‏6، ص: 254
.

[20] . راجع:
إرشاد العقول الى مباحث الأصول، ج‏4، ص: 126
، والنص فيه هكذا:” اللّهمّ إلّا أن يقال: انّ
منع الدخول من آثار استصحاب الجامع، وأمّا نجاسة الملاقِي فمن آثار نجاسة هذا الطرف
وذاك، فـلم يثبت “
.

[21] .
بدایع البحوث فی علم الاصول ج 10 ص 322.

[22] .
دقائق البحوث فی علم الاصول ج3 ص 540.

ثبت دیدگاه

دیدگاهها بسته است.